كيف يعيش المېت في عالم البرزخ بعد المۏت ؟ وهل يشعر المۏتى بالوقت؟ وكيف يمر الزمن عليهم
السؤال
هل يشعر المېت بمرور الزمن إلى أن تقوم الساعة؟ أم ينام نوما حتى يفيق يوم القيامة؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المېت لا يشعر بمرور الزمن إلا شيئا يسيرا، بل شعور المېت بذهاب الوقت أقل من شعور النائم به، يقول ابن عثيمين رحمه الله: اعلم أن الزمن بالنسبة للمېت يذهب سريعاً كأنه ليس بشيء، أمات الله رجلاً مائة عام فلما بعثه قال: قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ وهي مائة سنة. كذلك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، وهو نوم، والنوم ليس كالمۏت، المۏت أسرع في ذهاب الوقت، وهؤلاء الأموات الذين ماتوا لهم منذ سنين طويلة تجدهم كأنهم ما مرت عليهم دهور طويلة، كأنهم الآن ماتوا، قال الله تعالى: فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا.
سئل ابن عثيمين رحمه الله :
إن مۏت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد ، وعندما يدفن في القپر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب ؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القپر ، فكيف يكون ذلك ؟
فأجاب :
" ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المېت إذا ماټ فإنها تعاد روحه إليه في قپره ، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه ، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فيقول المؤمن: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القپر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة، وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها فإن واجبنا نحوها التوقف؛ لقول الله تعالى: ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36 " .
رابعا :
قوله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) الأحقاف/ 35 ، كقوله : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) النَّازِعَاتِ/ 46 ، وَكَقَوْلِهِ : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) يُونُسَ/ 45، قال ابن كثير رحمه الله :
فيخبر الله عن سرعة انقضاء الدنيا ، وأن الناس إذا عاينوا الآخرة ، لم تكن الدنيا التي عاشوها ومرت بهم أيامها إلا بهذا القدر الضئيل الذي لا قيمة له .
فتبين بذلك : أنه لا دليل على " توقف الزمن نهائيا " بالنسبة للمېت ، كما ورد في السؤال ، إنما دل الدليل على أنه لا يشعر بالزمن على حقيقته ، وأنه تمر عليه الأزمان الطويلة ، كأنها أقصر ما يكون .
واعتبر ذلك بحال النائم ، فإن النائم لا يشعر بالزمن على حقيقته ، بل تمر عليه الساعات وربما الأيام ، كأنها لحظات ، لكن ذلك لا يعني أنه قد فقد الحياة ، أو أنه قد فقد الشعور بالزمن ، أو أنه لا يحس بشيء ولا يتألم ، ولا يتوجع ، أو أنه لا يرى في منامه ما يرى من الأحلام المختلفة ؛ بل يرى في الساعات الطويلة : أحلاما قصيرة سريعة الانقضاء ، وقد لا يرى شيئا ، ويرى في اللحظة واللحظات ، أحلاما ، فيها أمور جسام ، وتفصيلات عظام ، وهو ما نام إلا قليلا !!
فما علاقة ذلك ، إذا بنفي عڈاب القپر ؟ وما علاقة أمر لم نفهم حقيقته وكنهه على وجهه الصحيح ، بتحريف القرآن ، أو غير ذلك من الترهات ، ووساوس الشياطين ؛ سبحانك هذا بهتان عظيم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" اعلم أن الزمن بالنسبة للمېت يذهب سريعا ، كأنه ليس بشيء ، أمات الله رجلا مائة عام فلما بعثه : ( قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/ 259 ، وهي مائة سنة ، كذلك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا، وهو نوم ، والنوم ليس كالمۏت ، المۏت أسرع في ذهاب الوقت ، وهؤلاء الأموات الذين ماتوا لهم منذ سنين طويلة تجدهم كأنهم ما مرت عليهم دهور طويلة ، كأنهم الآن ماتوا ، قال الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) النازعات 42 - 46 " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (17/ 428) .
ثم إن الله على كل شيء قدير ، فهذا يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة يمر بالمؤمن كقدر ما بين الظهر والعصر ، كما تقدم في إجابة السؤال رقم : (2180) .
وأما قوله تعالى : (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65 ،، فلا علاقة له بذلك الأمر أصلا ؛ بل المعنى : وَمَا يَشْعُرُ الْخَلَائِقُ السَّاكِنُونَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِوَقْتِ السَّاعَةِ ، كَمَا قَالَ: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً) الْأَعْرَافِ 187 ، أَيْ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، يدل عليه قوله قبل ذلك مباشرة : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) .
انظر : "تفسير ابن كثير" (6/ 207) .
والحاصل ، يا أمة الله ، أن العبد الناصح لنفسه ، الحريص على دينه ، لا يجعل أذنه محلا يطرقه كل مبطل كذاب ، من سحرة القول ، وإخوان الشياطين ، ولا يجعل قلبه محلا لشبهاتهم وأباطيلهم ، بل الواجب عليه أن يلزم ما بينه له الله في كتابه ، وسنة رسوله ، وما استنبطه أهل العلم الثقات الذين يعلمون تأويله ، وما أشكل عليه ، رده إلى عالمه ، وأعرض عن شبهات المبطلين ، وتخرصات الكذابين .
والله أعلم .