شرح حديث كل أمتي معافى إلا المجاهرين
انت في الصفحة 2 من صفحتين
وكذا، فيكشف ستر الله عز وجل عنه ـ فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد، وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح، فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله.... اهـ.
وقال الملا علي قاري في شرح المشكاة: كل أمتي معافى ـ هو اسم مفعول من عافاه الله أي أعطاه الله العافية والسلامة من المكروه.... قال الطيبي: والأظهر أن يقال كل أمتي يتركون عن الغيبة إلا المجاهرون، كما ورد: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ـ والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي ونحوه قوله تعالى: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ـ التوبة، والمجاهرون هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله عليهم منها فيتحدثون، يقال جهر وجاهر وأجهر، أقول قول الأشرف: كل أمتي لا ذنب عليهم ـ لا يصح على إطلاقه، بل المعنى كل أمتي لا يؤاخذون أو لا يعاقبون عقاپا شديدا إلا المجاهرون...... اهـ.
وإذا كانت كلمة معافى لها عدة احتمالات: منها عفو الله عن المذنب الذي لم يجاهر، ومنها تسليمه من العڈاب، أو من كلام الناس فيه، فإن هذا لا يفيد الجزم بأن المجاهر لا يغفر له، فإن من تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا تاب الله عليه وغفر ذنبه كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
و قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.
وكما قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وأما إن لم يتب من الذنوب: فإن كانت معاصيه من الصغائر، فإن الله تعالى يكفرها بما فعل العبد من الطاعات والحسنات الماحية إذا اجتنب الكبائر، فقد قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا {النساء:31}
وقال الله عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة: كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر. رواه مسلم.
وقال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. متفق عليه
وقال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي.
وإذا كانت معاصيه من الكبائر فهي تحتمل الغفران ما دام صاحبها موحدا، لأنه يدخل في عموم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48}.
والله أعلم.