شرح حديث سَيُصِيبُ أمتي دَاءُ الأمم : الأشرُ وَالْبَطَرُ وَالتكاثر والتشاحن في الدنيا ، والتبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ حتى يَكُونَ الْبَعْيُّ
انت في الصفحة 2 من صفحتين
وقال إبراهيم النخعي: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار". وذلك لكثرة علم التابعين، وقوة إيمانهم، ومعرفتهم بربهم، وقيامهم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقوله "على الشهادة" أي يضربوننا عليها إن شهدنا زوراً أو إذا شهدنا ولم نقم بأدائها. ** أخرج الطبراني عَن ابنِ عَباس -رضي الله عنهما-: مَا مِن عَام إلا وَيحدث النَّاس بدعَة وَيميتون سُنة حَتى تمَات السَنن وَتحيى البَدع.
** وقال -صلى الله عليه وسلم-: «(ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا)» ، وعصر الصحابة أقرب إلى الهدى من عصر من بعدهم، والناس لا يحسون بالتغير; لأن الأمور تأتي رويدا رويدا، ولو غاب أحد مدة طويلة ثم جاء; لوجد التغير الكثير المزعج - نسأل الله السلامة -، فعلينا الحذر، وأن نعلم أن شرع الله يجب أن يحمى، وأن يصان، ولا يطاع أحد في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله أبدا مهما كانت منزلته، وأن الواجب أن نكون عبادا لله، تذللا وتعبدا وطاعة.
** قال الله سبحانه وتعالى: { {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ } } [الواقعة:10-14] هذا فيه بيان لانصراف الناس عن الدين في آخر الزمان، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شړ منه)، فبسبب بعد العهد عن الرسالات ينسى الناس كثيراً مما ذكروا به، كما قال الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين: {{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} } [الحديد:16]
أي: طال عليهم الأمد بينهم وبين الرسل الذين كانوا يذكرونهم، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون. فبالبعد عن أزمنة الخير ينسي الناس كثيراً مما ذكروا به، فكما قال القائل: تزينت الدنيا لخطابها، فنسي الناس كثيراً مما ذكروا به، وانغمسوا في ملذاتها وشهواتها، فقل منهم الصابرون على تعاليم الدين، وقل منهم الصابرون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أصبحوا موضع اتهام لاتباعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فطعن فيهم الطاعنون، وأرجف وضحك منهم المرجفون، كما قال تعالى: {{ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ }} [المطففين:29-32]،
فلم يصبر كثير من الناس على ازدراء أهل الغفلة، ولم يصبر كثير من الناس على ظلم أهل الظلم والعدوان، فنكصوا على أعقابهم، ورجعوا تاركين وراءهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وتاركين لكتاب ربهم، فقل أهل الفضل وأهل الخير، وقل أهل الثبات والصلاح في الأمم المتأخرة وأصبحوا غرباء. فلذلك قال سبحانه وتعالى في شأن المقربين: {{وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}} [الواقعة:14]
أي: قلة قليلة من الأمم التي بعد عهدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأخرت أزمانها عن أزمنة أصحابه رضي الله تعالى عنهم [سلسلة التفسير، مصطفى العدوي] ** قَالَ الفضيل بن عياض: "هَذَا زمَان احفظ فيه لسَانَك، وأخفِ مَكانك، وَعالج جفانَك، وخذ مَا تعرف وَدَع مَا تنكر لتصلح شأنكَ ** َقالَ الثوري: "هَذَا زمان السّكُوت، وَلزُوم البيُوت، والرّضا بالقوت إلى أن تَمُوت" اللهم أصلح أحوالنا، ونجنا مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتوفنا وأنت راضٍ عنا.