ما معنى قوله تعالى (ويل للمطففين )
انت في الصفحة 2 من صفحتين
وقال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين.
وقال بعض العلماء: يدخل التطفيف في كل قول وعمل، ومنه قول عمر: طفَّفت، ومعناه: نقصت الأجر والعمل، وكذا قال مالك رحمه الله: يقال لكل شيء وفاءٌ وتطفيف. فقد جاء بالنقيضين.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن التطفيف هو تجاوز الحد في وفاء ونقصان.
والمعنى والقرائن، بحسب كل قولٍ: تبين المراد، وهذا عندي جيد صحيح، وقد بين تعالى أن التطفيف إنما أراد به أمر الوزن والكيل"، انتهى.
"المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (5/ 449-450).
وأثر سَلمان الذي ذكره:
"إنّما الصلاةُ مِكيالٌ؛ فمَن أَوْفَى أُوفِيَ له، ومن طَفَّف فقد سَمِعْتم ما قال اللهُ في المُطفِّفينَ".
رواه سعيد بن منصور (8/ 275 - 276)، (22845).
وممن وسع مفهوم التطفيف، الشيخ "السعدي" رحمه الله، قال:
"وفسر الله المطففين بقوله (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ) أي: أخذوا منهم، وفاء عما ثبت لهم قِبَلهم.
(يَسْتَوْفُونَ): يستوفونه كاملا من غير نقص.
(وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس عليهم بكيل أو وزن.
(يُخْسِرُونَ) أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك، فهذا سړقة لأموال الناس، وعدم إنصاف لهم منهم.
وإذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سړقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين.
ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات.
بل يدخل في عموم هذا: الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج التي لا يعلمها ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير.
ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به، وعرفوا أنهم يقومون بين يدى الله، يحاسبهم على القليل والكثير، لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه" انتهى من "تيسير الكريم الرحمن" (915).
فالحاصل: أن أصل دلالة الآية على التطفيف في المكيال والميزان، ولا مانع من أن تدل الآية بإشارتها على من ينقص الناس حقوقهم، عافانا الله من التطفيف وأهله.
والله أعلم.